يا نافخ الثورة البيضاء
سليم حيدر
تأجج الكـون وانجـابت رؤى الديــمِ
يا ديمة الدمـع طفّي النار واضطر مي
فمطفئ الرضف جز الرضف ، وانتثرت
قبائل العـرب أشــلاء علـى القـدمِ
يلمها القــدر العاتي ويطــرحها
لألف عام خلت ، في قبضـة العـدمِ
***
من ألف عـام .. هل التاريـخ ينصفنا
إذا سألنـاه ؟.. أم سبابـة التهــــم
تتلو علـى العـرب ما خطت أناملهـم
علـى الكتاب .. ويا خزي العلـى بهم
بعد النبي ، وبعــد الفاتحيـن بــه
حياً وميتاً ، وبعــد الســؤدد العمـم
أتت علــى العــرب أجيال محنطة
تلفهــم مومياءات بــلا هـــرم
ترشهــم بـرذاذ الطيب ، راعشــة
فيه التآخيــد رعش الســم في الدسم
تذكيهــم بدعاً ، تزجيهــم شيعــاً
ترضيهـم قصعاً .. يرضــون كالبهم
فحولتهـم ، وعين الكــيد ساهــرة
من أمــة العـروة الوثقـى إلـى أمم
وفتتتهـم علـى أنقاض مجــدهــم
أشتات أشتات ، غنمـانـاً لمغتنـــم
علـى الخليـج إمــارات تشاكلهــا
حتى المحيـط ، قطـاعات من الحطـم
يؤمهـا القالة الأقيــال ، مشـــرقة
تيجانهم ، ونفــوس الشعب في الظلم
قد حركتهــم بأســلاك ممغنطــة
بعضاً علـى البعض ، أيدي الماكر الفهم
وهيهِ يا حــرب : إن الأخـوة اقتتلوا
وشــد يا ذئب ، فتـاكاً ، على الغنم !
***
من ظلمة الدهـر ، من أدهـى ظلامته
تململ المـارد العمــلاق في الأجـم
له من الليل ، قلب الليل ، مدخـــر
في مقلتيه يـذكـيه سني النجـــم
وسمرة الفجــر ، بـدء الفجر ، دافقة
على محياه تزكــى روعــة العظـم
إن قطب الوجـه : بـركان انفجر حمماً
أو سـرح الأمر : يا زهـر الربى ابتسم
مشى فشقت علـى التاريـخ مشيتــه
فـراح يلهث خـلف الثائــر القــدم
والثائر القــدم الوثـاب منطلــق
كالنســر لا يرتضــى إلا ذرى القمم
يطوى الـزمان اختصاراً ، يعتلـى قللاً
من الدهـور ابتساراً .. خطــو مقتحم
يزج في الغيب أحـداثاً ، ويـرقبهـا
ويلتقيها ، ويلقيهـا علــى السنـــم
سخية بالعطاء البــكر ، منهمـــراً
نوالها كالسحـــاب المثقل الشيـــم
يدق في مـركب الأجيال صاريـة
فيما يحول مجــرى النيل بالـــردم
يغـــذ يرســم للتاريــخ سيرته
في مفرق الدهر ، يغرى النقص بالتمـم
يطوى الزمـان سباقـاً ، حلمـه جلل :
أن يطلق العــرب من تأخيذة الحلم !..
يا نافـخ الثـورة البيضـاء في همـل
توارثـوا الهجعـة السـوداء من قـدم
***
.أسمعت من دهـره قد عاش في صمم
أنطقت من قـدره قد عـاش في بـكم
أسمعت أنطقت ، أي والله ! لوعتنــا
هي السماع النطـوق الصـامت الكلـم
غلالة المـوت فـكت غـل أنفسنــا
منك السمـاح ، ومنا دمعــة النــدم
لا يغضــبنك مــا لاقيت من عنت
فضل المشـوق بما يلقــى من الضرم
ملأت عمر ثماني عشـــرة حقبـاً
من العصــور ، فأمهلنا بــلا جـرم
سنلحق الركب تـهدينا طــلائعــه
في هديك الناصــع الوضاح ، عن أمم
خواطر العرب ، عبد الناصـر ، التأمت
واليأس يطفو على سهـل الأسى العـرم
تشقى فترقـى ولا تلقــى سـوى ألم
يحز في النفس جياشــاً علــى ألـم
تبكـى فتاهـا رئيسـاً ، رائداً ، كنفاً ،
أباً ، أخاً ، مستظــلاً وافــر القسـم
الفاتــح العقل في دنيا عــروبتنـا
الفاتـح القلب للــدنيا وللقيــــم
الناصر الحــق حيث الحـق مضطهد
الزاجر الظلـم حيث الظلــم في حدم
الرافع الرايـة الحمــراء ، معتصمـاً
بالله ، والهول ، يبقـى الصول في أللجم
الناشر الراية البيضــاء ، مقتحمــاً
كيد العــدو ، حصينـاً ، غير مقتحـم
الباذل النفس في إصــلاح أسرته
فدى فلسطين روح القائــد العلـــم
***
يا حسرة المجـد ! حط المجـد جبهتـه
على الـرغام ، كظيماً ، شبه منحطـم
يبكى على البطـل الصنديـد مؤتـزراً
ألوان أمتــه يسعـى إلى الثلــــم
يسعــى وئيداً وئيداً ، كل محمـــله
من البطاء ، ومل الحمـل مـن ســأم
كيف السبيـل إلـى المثوى ، على بشر
في منتدى بشـر ، بالحـزن مضطـرم
في ملتقـى أمـة آمالها انفصــمت
حشــد المـلايين فيه غيـر منفصـم
كالسيل منسجــم ، كالليل مـزدحــم
كالويل محتــدم ، كالبحــر ملتطـم
وصـاحب المجـد جاز العمر منصلتاً
كما الشهاب ، كما الذكرى ، كما النغم !
***
الآن عشت ، أيا ثاوي ، تــرى جدث
به ثويت بكــى ، أم ثار من حشـم ؟
أم قرَّ في سمعــه إعــوال أمتنــا
فراح يلقاك في إطــراق محتشــم
أم نازعتـه مـن الآبــاد أخيـــلة
وأنت تلقاه ، والدنيــا علــى كظـم
تريق في روعــه آلاء ما صنعت
كفاك للمجــد ، فاستشرى على نهم ؟..
الآن عشت بنا ، بالمقبــلات مــن
الأجيال بالله يا أقدارنــا ازدحمـــي
لأمة أنت منها لن تمـــوت غـــداً
نم يا حبيبــي فطول العمـر لم تنم !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق